قال
ابن عبد البر رحمه الله: "وقد قال قوم من أهل الأثر أيضاً: أنه ينزل أمره وتنزل رحمته، وروي ذلك عن
حبيب كاتب مالك وغيره، وأنكره منهم آخرون".
وهنا يجب أن نقف وقفة:
لو صح أن أحداً من
السلف قال: إن معنى (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) : تنزل رحمته، فليس ذلك منه نفياً لصفة النزول.
وقد ذكر
الطبري رحمه الله وغيره من المفسرين قول بعض الصحابة؛
ابن مسعود أو
ابن عباس في قوله: ((
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ))[القلم:42] قال: يوم يشتد الكرب ويشتد الهول؛ فهذا الكلام ليس فيه نفي للصفة.
أما
المؤولون فلو كانوا يكتفون بقولهم: (ينزل ربنا) أي: تنزل رحمته، قلنا: لعلهم يقصدون أنه إذا قال هذا القول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ أن رحمته عز وجل هي التي تنزل، أي: هو يقول ذلك ليرحم عباده؛ وذلك محتمل، لكنهم يقولون: لا ينزل بالكلية؛ فهم قد كذبوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردوا عليه كلامه في أنه لا ينزل أصلاً وإنما تنزل رحمته!
ونتساءل أيضاً: هل رحمته لا تنزل إلا في الثلث الأخير؟! وأمره لا ينزل إلا في الثلث الأخير؟! فهذا لا يقول به أحد، ولو كانوا يقصدون أنه ينزل فتنزل رحمته -أي تكون رحمته أقرب إلى العباد- مع إثباتهم للصفة، لما ناقشناهم؛ لأنا نعرف أنه ما من آية من كتاب الله ولا حديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا و
السلف -الصحابة والتابعون والعلماء والمفسرون- يختلفون في تفسيره على أقوال كثيرة، ولا يهمنا ذلك، لكن يهمنا ألا ينكر أحد صفة لله، فلو قال أحد: نثبت نزول الله، لكن المراد أن الرحمة تكون أقرب، لكان هذا من باب الخطأ والصواب، لا من باب السنة والبدعة، فالسنة والبدعة شيء، والخطأ والصواب شيء آخر، لكن من ينكر النزول هو الذي رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه.
قال
ابن عبد البر : "وقد روي عن
حبيب كاتب مالك قال: تنزل رحمته أو ينزل أمره"، نقول:
أولاً: ما منزلة
حبيب في العلم وإن كان كاتب الإمام
مالك ؟ قال فيه المحقق: "متروك كذبه
أحمد و
أبو داود وجماعة"، فمن قيل فيه ذلك، لا يؤخذ كلامه في العقيدة؛ بل لا تقبل روايته لحديث واحد، ولو كان في أدنى حكم من الأحكام؛ حتى في إماطة الأذى عن الطريق؛ فكيف فيما يتعلق بصفات الله؟!
ثانياً: كلامه هذا ليس رواية حديث؛ بل هو من عنده؛ فهو يريد أن يصف الله سبحانه وتعالى، وهو كذاب؛ فلا يؤخذ كلامه.